هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تأملات في سورة إبراهيم ... إرادة مطلقة

اذهب الى الأسفل

تأملات في سورة إبراهيم ... إرادة مطلقة Empty تأملات في سورة إبراهيم ... إرادة مطلقة

مُساهمة من طرف المتوسط الأربعاء 16 أبريل 2008 - 13:23

تأملات في سورة إبراهيم ... إرادة مطلقة



قال تعالى: “الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد” (إبراهيم: 1)

مازال الحديث في تأمل الآية الأولى من سورة إبراهيم مستمراً، وأذكر بأن الباء في قوله تعالى “بإذن” للسببية أو الملابسة، وقد رجحنا معنى الملابسة، لتأكيد الإشارة إلى أن الهداية لا يملكها إلا الله تعالى، وذلك دفعاً لما يفهم من ظاهر قوله سبحانه: “لتخرج الناس من الظلمات إلى النور”، ولذلك فإن قوله “بإذن ربهم” احتراس لدفع ما يتبادر إلى الذهن من أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بيده هداية الناس، وإنما كما قلنا إنه صلى الله عليه وسلم سبب في تلك الهداية والتعبير بوصف الربوبية للإشعار بالتربية واللطف والفضل، وبأن الهداية لطف محصن، كما أن فيه إشعاراً بأن الكتاب والرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة لا تجدي دون إذن الله تعالى، كما ينبئ عنه قوله تعالى “ويهدي إليه من أناب”، كما أن في الوصف بالربوبية، وإضافته إلى ضمير الناس دلالة على تبليغ الشيء إلى كماله المتوجه إليه، وشمول الإذن بذلك المعنى لكل الناس واضح، وعليه يدور كون الإنزال لإخراجهم جميعاً من الظلمات إلى النور، وهذا ما قاله الألوسي من عدم الهداية وقد يقول قائل إن حال كثير من الناس ينافي هذا العموم المفهوم من قوله تعالى “لتخرج الناس من الظلمات إلى النور” ويرد على هذا بأن سوء اختيارهم وفساد طويتهم سبب عدم هداية هؤلاء، ولكن عدم هدايتهم لا يخل بهذا العموم، ولعل هذا الواقع المذكور يبطل قول من رأى أن اللام في قوله تعالى “لتخرج الناس” لام الغرض وليست لام التعليل، لأنه يلزم على هذا التأويل أن يكون جميع الناس مؤمنين، والواقع ينافي ذلك.

“العزيز الحميد”

وقوله تعالى: “إلى صراط العزيز الحميد” بدل من قوله إلى “النور” وأعيد العامل -حرف الجر- “إلى” وكرر لفظاً للدلالة على البدلية أو لزيادة بيان المبدل منه “النور” وإيضاحه كما في قوله تعالى “للذين استضعفوا لمن آمن منهم” حيث كرر حرف الجر اللام وهو العامل، ويجوز أن يكون قوله سبحانه “إلى صراط” استئنافاً بيانياً، وكأن سائلاً سأل: إلى أي نور؟ فقيل: “إلى صراط العزيز الحميد” وإضافة الصراط إليه سبحانه لأنه مقصده، أو المبين له، والعزيز هو القاهر لكل من سواه، والغالب لكل من عاداه والحميد هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وأمره، والمحمود في ذاته، واختير هذان الوصفان من بيان صفاته- سبحانه- لمناسبتهما للمقام، فإنه لما ذكر في بداية الآية إنزاله تعالى لهذا الكتاب وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ناسب ذلك ذكر صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة، لإنزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا يقدر عليه سواه- سبحانه وتعالى- ولذا كان من الملائم أيضاً تقدم تلك الصفة لتتلاءم مع هذا الإنزال المعجز، كما تواءم ذكر وتقديم صفة العزة مع التأكيد أنه سبحانه هو الهادي الحقيقي إلى سواء السبيل وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا مبلغ لرسالة ربه، وأنه لا يملك تصريف القلوب، ولا شك في أن معنى الغلبة والتصرف المطلق يناسبه ذكر صفة العزيز وتقديمها لتأكيد هذا المعنى. أما صفة الحمد فوجه مناسبتها أن إنزال الكتاب لإخراج الناس من الظلمات إلى النور نعمة من أعظم النعم، وهي نعمة ترشد إلى حمده- سبحانه- والمراد بالصراط طريقة الله تعالى ومنهجه الذي أمر الناس باتباعه والسير عليه والعمل به.

عقيدة نقية

ومن مشتبه النظم مع هذه الآية قوله تعالى: “ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد” (سبأ: 6) وقوله تعالى “وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد” (الحج: 24) فمن الملحوظ ورود كلمة الصراط مضافة في سورتي إبراهيم وسبأ إلى اسمه العزيز، ثم أردفت باسمه تعالى “الحميد” واقتصرت في سورة الحج على إضافة الصراط إلى اسمه سبحانه “الحميد”. فما السر في ذلك؟ والجواب عنه أن المقام هو الذي استدعى ذكر اسم “الحميد” في سورتي إبراهيم وسبأ، كما أن مقام سورة الحج استدعى الاقتصار على ذكر اسم “الحميد” وبيان ذلك في سورة إبراهيم أنه لما خوطب النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: “لتخرج الناس من الظلمات إلى النور” دل مفهوم هذا على أن ذلك الأمر (أي إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الهداية) بيده صلى الله عليه وسلم، وهذا ما استدعى ذكر صفة العزة أو اسم العزيز إشارة إلى قدرته- سبحانه- وغلبته وقهره سبحانه، وأنه لا يملك أحد من عباده حتى ولو كان أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم أن يهدي أحداً إلا بإرادته سبحانه، وألا يكون في ملكه تعالى ما لا يريده- سبحانه- وذلك تأكيد لمعنى مطلق تصرفه - سبحانه- في ملكه، ولقد أكد القرآن الكريم نفي ملكه- صلى الله عليه وسلم- لهداية الناس في عدة آيات كريمة منها قوله تعالى “ليس لك من الأمر شيء” (آل عمران : 128 ) وقوله تعالى “إن عليك إلا البلاغ” (الشورى : 48 ) وقوله تعالى “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” (القصص: 56) وقوله تعالى “ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها” (السجدة : 13) .

المهم أن الوصف بالعزة في آية إبراهيم أكد هذا المعنى- وقد بينت هذا من قبل- ولكن قبل أن أترك هذه النقطة ألا تتفق معي على أن القرآن الكريم يريد التأكيد من خلال هذه الآيات ونظيراتها وهي كثيرة على نقاء عقيدة المسلمين في نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لا تزيغ عن الحق وتميل إلى الباطل كما هو الشأن في عقيدة من ادعى الألوهية لنبيه؟

صفة العزة

ولنعد إلى آية سبأ حيث إن مقام الآية المذكورة فيها كمقام آية إبراهيم بلا فرق، وبيان ذلك أن الرؤية في الآية علمية أي بمعنى العلم ومحال أن يرى من وصفه بالعلم حكم الله جارياً في خلقه إلا على ما يشاؤه ويريده وأنه لو شاء لجمعهم على الهدى- وبوصفه سبحانه- بالعزة تمام لمقصودها وليس للمدعوين إلا ما سبقت به إرادته ولا بيد نبيه صلى الله عليه وسلم إخراجهم ولا هداهم ولم يرد في هاتين الآيتين (في إبراهيم وسبأ) أن الإخراج من الظلمات إلى النور والهداية مما وقع وانقضى، وإنما مقتضى الآيتين-أي منضمونهما- رجاء إجابتهم وهدايتهم عند دعائه عليه السلام، ثم الرجاء راجع إلينا، وربنا المنزه المتعالي عن الاتصاف وقد أحاط علمه سبحانه بما يكون منهم وإنما خوطبنا على ما نتعارف.

أما آية سورة الحج فلم يكن في مقامها ما يستدعي ذكر صفة العزة بما تفيده من القهر والغلبة، وإنما كان من الملائم ذكر صفة الحمد أو اسمه تعالى “الحميد” لأن الآية إخبار منه سبحانه بما أراده لأهل الإيمان من الفوز بالجنة وبالفلاح اقرأ قوله تعالى قبل آية الحج المذكورة مباشرة “إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير” (الحج: 23) ثم يأتي بعدها مباشرة قوله تعالى “وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد” وهذا المقام في آية سورة الحج فيه إخبار بالتفضل والإنعام والفوز، لذا كان من الملائم ذكر صفة الحمد أو اسم الحميد والاقتصار عليه، لأن ذلك الإنعام العظيم جدير بأن يغري هؤلاء الفائزين- ندعو الله أن نكون منهم- بالحمد والثناء على ربهم والحميد هو المحمود المُثنى عليه، وهو سبحانه محمود أزلاً بحمده- تعالى- لنفسه، وبحمد عباده له وثنائهم عليه أبداً.

وأعتقد الآن أنك تتفق معي على أن ذكر “العزيز” في هذا الموضع ينبو به المقام ويلفظه المعنى، ولم يتبق إلا أن نشير إلى أن الإخبار الوارد في آية الحج وما قبلها بما شاءه الله تعالى لهؤلاء من فوزهم وصلاح أحوالهم وفلاحهم إخبار قد تم حكمه وانقضى، ولذلك أيضاً كان من الملائم ذكر صفة العزة التي تفيد القهر- كما قلنا- والله أعلم بمراده.

وبعده، فإننا نؤكد أن منهج الله تعالى المتمثل في كتابه العزيز، وسنة نبيه الكريم هو سبيل الفوز والفلاح والنجاح والنجاة، لأنه منهج الوسطية الملائم لطبيعة الفطرة البشرية، وان منهجاً بتلك السمات العظيمة لحري بأن يقدم على غيره من المناهج البشرية في مناحي الحياة كافة، وانه من الظلم البين أن نحبس هذا المنهج الكامل ونقصره على مجرد طقوس أو عبادات أو صلوات في المساجد، وأن ينحى عن حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...الخ

ألا فلنعد إلى ما فيه سعادتنا وفلاحنا في الدارين إلى منهج الله تعالى إلى كتابه القويم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
المتوسط
المتوسط
المدير
المدير

المساهمات : 279
تاريخ التسجيل : 27/01/2008
العمر : 44
الموقع : المتوسط

https://almotawaset.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى